عندما يتحول مركز التوجيه والتخطيط التربوي إلى عقاب جماعي للخريجين.

0
بقلم احمد المتليني : مستشار في التخطيط التربوي.
إذا كان من الطبيعي أن تكون مراكز التكوين فرصة للارتقاء المهني والاداري للمُكَوّنين بصفة عامة ، وإذا كان من حسنات التكوين والتكوين المستمر بصفة عامة وبمراكز تكوين الأطر بوزارة التربية الوطنية (سواء الجهوية أو الوطنية) أنه يضيف للشخص المُكون مهارات ومعارف تغني رصيده المعرفي وتساهم في تطوير أدائه وتحسينه بالشكل الذي يفيد به وسطه المهني وبالتالي المنظومة التي يشتغل ضمنها، فإنه من المنطقي أن يكون هذا التكوين منتجا للمنظومة وللفرد المعني بالتكوين .لكن واقع مركز التوجيه والتخطيط التربوي بالمغرب يشكل وضعا شاذا ونشازا تربويا بالمغرب كما بالخارج ولا نجد له مثالا في جميع التنظيمات التربوية المقارنة، وسنوضح من خلال هذه الملاحظات والنقط هذه الوضعية الشاذة :

  • يشكل مركز التوجيه والتخطيط التربوي أحد المراكز المهمة في التكوين في المغرب بالنسبة لأطر وزارة التربية الوطنية بالنظر لجودة ومضمون المواد المدرسة وطريقة اختيار المتدربين وطبيعة المباراة التي تُجرى لولوجه، كما أنه يشكل إلى جانب المدرسة الوطنية للإدارة سابقا خزّانا للأطر الادارية التي تقود المنظومة التربوية بالمغرب.
  • يَفقد المستشارون في التوجيه والتخطيط التربوي أقدميتهم الادارية في الدرجة الثانية أو الأولى بعد التخرج من المركز ويعتبرون وكأنهم التحقوا بالتعليم في سنتهم الاولى رغم أن من شروط الالتحاق أن يكون الموظف قد قضى على الأقل مدة 6 سنوات في الاشتغال بالقسم (هنا لابد من الاشارة إلى وجود من قضى 20 سنة أو أكثر في القسم كمدرس وأن 6 سنوات هي أقل مدة).
  • يتعين على المُتخرّج من مركز التوجيه والتخطيط الانتظار 4 سنوات من أجل التسجيل في لوائح اجتياز من امتحان الكفاءة المهنية لولوج الدرجة الأولى ( بالإضافة لسنتين في المركز) على الرغم من كونه قد يكون من الأساتذة الذين تسجلوا في لوائح الترقية بالاختيار أو في الامتحان المهني قبل ولوجه لهذا المركز، مما يجعل ترقيته من الدرجة الثانية إلى الدرجة الأولى قد تصل إلى أكثر من 20 سنة وهي مدة تتجاوز التسقيف المعمول به في نظام الترقي في جميع الاسلاك وبالتالي فهي وضعية غير قانونية وغير أخلاقية وشاذة .
  • يدخل المستشارون في التخطيط والتوجيه التربوي للمركز بالدرجة الثانية على الأقل وبسنوات من الاقدمية في الدرجة ويتخرجون بالدرجة الثانية وبدون أقدمية (علما أن التوظيف بالسلم 9 توقف منذ الموسم 2014 وأن الحذف النهائي للسلم 9 كان في يناير 2019) وهو ما يعني أن الخريجين يتعرضون للقهقرة في الدرجة وكأنهم لم يكونوا داخل مركز للتكوين وإنما تعرضوا لعقوبة تأديبية أو مجلس تأديبي جماعي.
  • جميع مراكز التكوين في المغرب يستفيد فيها المتخرجون من تغيير في وضعيتهم الادارية (مفتشون، متصرفون تربويون، مبرزون) ، حيث ينتقلون من وضعية نظامية إلى وضعية نظامية أرقى، إلا مركز التوجيه والتخطيط التربوي الذي يتعرض فيه المتخرجون للقهقرة في وضعيتهم الادارية.
  • يستفيد كل المتخرجون من مراكز (التفتيش، الادارة التربوية) من تعويضات نظامية عن المهام التي يقومون بها إلا المستشارون في التوجيه والتخطيط التربوي، حيث تعتبر هذه التعويضات سبة في وجه وزارة التربية الوطنية ويستحي المرء من ذكرها، علما أن المستشارون في التخطيط التربوي يشتغلون داخل المديريات الإقليمية والأكاديميات الجهوية ويقومون بمهام تفوق بكثير في بعض الأحيان (شكلا ومضمونا ) ما يقوم به خريجو المراكز الأخرى، مع العلم أننا هنا لسنا في مقارنة بين جودة التكوينات في المراكز .
  • جميع مراكز تكوين الاطر تم تغيير المراسيم المنظمة لها لتستجيب لتطورات النظام التعليمي ولتّغيرات التي يعرفها النظام الأساسي لموظفي الوزارة إلا مركز التوجيه والتخطيط التربوي، حيث ظل يخضع للمرسوم المنظم الذي يعود لسنة 1987 والذي أصبح متجاوز من جميع الجوانب ولا يساير التغييرات التي عرفتها المنظومة.
  • يطلب من مستشار في التخطيط والتوجيه التربوي الذي دخل مهنة التعليم (أساتذة التعليم الإعدادي) بعد مباراة وقضى سنة من التكوين في المركز الجهوي للتربية والتكوين وسنوات من التدريس ثم قضى سنتين من التكوين (بمركز التوجيه و التخطيط التربوي) بعد نجاحه في المباراة الوطنية للمركز وقضى سنوات من الاشتغال كمستشار، أن يجتاز امتحان الكفاءة المهنية لولوج الدرجة الأولى التي يجتازها أستاذ مباشرة بعد 6 سنوات من الاشتغال. أليس هذا ضرب من العبث؟ تحقير للتكوينات؟ و للمراكز التي مر منها و للتكوين الذي تلقاه بها؟
  • يبدأ المركز ابتداء من هذه السنة في تخريج أطر مرتبة في الدرجة الأولى وهو ما يعني أن وضعية المستشارون في التخطيط والتوجيه القدامى الذين يزاولون هذه المهمة لسنوات والمرتبين في الدرجة الثانية سيكونون ضحايا إذا لم تتم ترقيتهم استثنائيا.
في الأخير لابد من الإشارة أن النقاش الذي تشهده الساحة التعليمية في الآونة الاخيرة حول الحوار بين النقابات التعليمية ووزارة التربية الوطنية، وخاصة ما يتعلق فيه بملف التوجيه والتخطيط وبالأخص وضعية المستشارون في التوجيه والتخطيط التربوي الممارسون المرتبون في الدرجة الثانية، حول وضع هذه الفئة في طور الانقراض هو تمويه وطمس لحقيقة هذه الوضعية الشاذة التي بيناها في الملاحظات السابقة وأن الحديث عن الانقراض هو مسألة أصبحت واقعا لأن المتخرجين من المركز ابتداء من هذه السنة سيتخرجون بالدرجة الأولى وبالتالي فإن المطالبة بوضع هذه الفئة في طور الانقراض هو في الحقيقة حكم نهائي عليها بأن تكون ضحية من ضحايا التدبير الفاشل للمنظومة وأن العلاج الحقيقي للضرر الذي تعاني منه هو ترقية استثنائية للدرجة الأولى (إسوة بباقي مراكز تكوين الأطر ومماثلة لها من حيث سنوات التكوين وشروط الولوج ) ابتداء من تاريخ التخرج من المركز والرفع من التعويضات النظامية عن المهام الادارية التي يقومون بها وذلك لجبر الضرر الذي تحدثنا عنه وإلا فإن المطالبة بوضع هذه الفئة في طور الانقراض هو حكم نهائي على هؤلاء بأن يكونوا ضحايا الحاضر والمستقبل .
اترك ردا

لن يتم نشر ايميلك.